الخميس، 11 فبراير 2010

الخيّر شوّار الأكثر حظا في المترشحين و ميهوبي أقلهم


في حين فضّلت الأسماء على النصوص في الترشيحات الجزائريةللـ "بوكر العربية"
الخيّر شوّار الأكثر حظا في المترشحين و ميهوبي أقلهم
بقلم / محمد عاطف بريكي ـ شاعر و ناقد ـ الجزائر
تجدد السباق لنيل أكبر جائزة عربية في فن الرواية بفتح باب الترشيحات أمام الدوائر الأدبية ودور النشر العربية لتقدم ما لديها من أعمال على طاولة لجنة البوكر هذه السنة، فهل استعدت الجزائر لمثل هذا المحفل الذي لا يخلو من
 منافسة شرسة بالنظر إلى ثقل الأعمال الروائية التي تطرح عادة على طاولة البوكر في طبعتها العربية الشهيرة؟. فطالما كانت الجزائر غائبة أو "مغيّبة"عن كبريات الجوائز العالمية والعربية بكافة طبوعها، كأنما ليس لدينا أقلام تمثلنا وتقفز بجغرافيتنا إلى العالمية برغم حركية بعض الأسماء في الساحة الأدبية عندنا التي لا تزال تدعي هيمنتها على المشهد الروائي الجزائري، في حين أن العالم خارجا يشهد غليانا وسرعة لا مثيل لهما في التطور بوجه عام، فرواية التسعينيات لم تعد تقنيتها تشفي غليل ما وصل إليه السقف السردي والتقني لرواية العشرية الأخيرة التي سيلحقها الترهل هي الأخرى بعد سنوات قليلة، فأفق الرواية لم يعد يحتمل أي نمط،فسرعان ما يتجاوزه في تمظهر آخر مشروع بسبب تسارع وتيرة انفتاح النص على الحياة بوجه عام. هذا هو شأن الإبداع.. ففي الأخير تبقى الرواية إبداعا متجددا وغير مهادن مع الأزمنة والأمكنة والشخوص .
إن الملاحظ للواقع الثقافي في الجزائر يلمس عدم احترافية المنابر الأدبية الثقافية ـ وحتى بعض الأقلام التي تقدم نفسها كراع للثقافة والأدب ـ في التعاطي مع مثل هذه المحطات، وهو ما نوعزه للنقص الفادح في التغطية الإعلامية، مع ما لها من أهمية ودفع لدعم المرشح "الجزائري" وزيادة حظوظه بالتعاطي والتفاعل مع العمل الروائي المرشح لنيل الجائزة وتقريب صورته للآخر، وهو المطلوب من جمهور الأدباء والقائمين على الصفحات الأدبية، فعلى سبيل المثال سُجّلت مشاركات جزائرية عديدة في جائزة البوكر في دورتيها الفارطتين، إلا أنها للأسف بقيت مستترة أو مغيبة ولم تحظ بأي اهتمام إعلامي يذكر، فكان مصيرها الخذلان ومن ثمة السقوط في أولى مراحل الغربلة.
إلا أن اللوم يقع أيضا على دور النشر الجزائرية، فهي لا تملك زمام المبادرة لمقارعة أكبر الجوائز العالمية مثل البوكر أو حتى لتدخل في حساباتها، فهي تعتقد أن تجارة الكتاب تجارة محلية و محلية فقط، وغالبا ما تبرر عدم مشاركتها بمستوى الأعمال المنشورة لديها، والحقيقة أنها تحاول باقصاء مؤلفيها من المشاركة أن تقتصد في حافظة نقودها، بدليل أن نشر الكتاب قلما يتبعه ترويج إعلامي أو تجاري، ما دامت دور النشر تضمن أرباحها من ريع وزراة الثقافة، وكذا من نصيب المؤلف الذي تجعله ينتظر عاما كاملا للحصول عليه، رغم أنها تحصد ربحها وحقوقه المادية، لحظة تدفع الوزارة فواتيرها.
كما أن المرض يكمن في كيفية التعاطي مع الجائزة في حد ذاتها من بعض الدوائر الأدبية بتفضيل الأسماء على النصوص، على غرار ما فعلته منشورات البيت حين عزفت عن ترشيح رواية "تصريح بالضياع" لسمير قسيمي برغم الوجه المشرف الذي ظهرت به هذه الرواية، سواء من حيث الحكاية أو التقنية وذلك باعتراف كل من قرأها ولمس تميزها واتفاقهم أن صاحبها نجح في طرح نص روائي متفرد ومختلف عن السائد والموجود منذ التسعينيات وقبلها، وكانت الصحافة الأدبية قد أعلنت عن نية منشورات البيت لصاحبها أبو بكر زمال في الترشح لجائزة بوكر، و هو ما ترك إنطباعا جيدا لدى الجمهور أن "منشورات البيت" سترشح لا محالة "تصريح بالضياع"، الا أننا تفاجأنا بترشيح صاحب البيت الشاعر الوزير عز الدين ميهوبي برواية "اعترافات أسكرام"،التي لم يعرفها الجمهور كما عرفوا رواية قسيمي، والذين قرأوا العمل على غرار صاحب السطور، يقولون علنا أن لا مجال للمقارنة بين عملين: الأول"تصريح بالضياع" انفرد في كل شيء(اللغة، الأسلوب، الحكي، الموضوع...) وفرض نفسه رغم غمور صاحبه، والثاني "اعترافات أسكرام" لم ينفرد بشيء على الاطلاق، بل كان خليطا غير أمين لأعمال قرأناها ذات يوم.
سبب آخر كرّس الرداءة في أقصى معانيها، ولجم حضور كل ما هو جميل ومقدس في عملية الإبداع التي تفترض أولا وأخير التواصل والالتحام لتلد نظيفة وبهية، هو طغيان العداءات الشخصية وتسبيقها على المصلحة الوطنية. المثال واضح في غلق بعض القائمين على المنابر الأدبية أبواب صفجاتهم على أسماء محددة بسبب "الحسد" الذي بات متفشيا ونتيجته أن يوضع صاحبنا صاحبه على "القائمة الحمراء"، على غرار ما حدث لعلاوة حاجي بمجموعته الأخيرة "ست عيون في العتمة"، أو ما حدث مع الروائي الخير شوار بروايته "حروف الضباب"، رغم أن الأخير قدم طرحا متميزا، مستقى من منابع الثرات، فقد كان شوار خرجة دلالية على ميلاد روائي متميز، إلا أن الرواية أدخلت- رغما عنا- غرفة الإنعاش بعد أن قطع عنها "أنبوب الأوكسجين" وكادت المسكينة أن تموت "هجرا"، بسبب عدم توصيلها بقراءات جادة خاصة في الصحف ذات التوزيع الواسع لشعور العداء و"الحسد" الذي يكنه له أصحاب هذه الصفحات.نفس الرواية لم يرد لها الاعتبار لولا العناية التي أولتها بعض الصفحات الأدبية وبعض الأقلام النقدية الجادة، على غرار أسبوعية المحقق في ركنها المشهور"حديث في الأدب"، حيث دفعتنا الى قراءة الرواية من زاوية أخرى، والحمد لله أن تزامن ذلك بصدور "حروف الضباب" مرة أخرى من قبل منشورات الأختلاف و الدار العربية للعلوم ناشرون، لتمنح الجزائر-بعد ترشيح الرواية- فرصة حقيقية لولوج اللائحة القصيرة للبوكر(تشمل16اسما)، فليس تمة ما يدعونا الى التفاؤل بحظوظ الجزائر في البوكر غير هذه الرواية المتفردة، خاصة بعد اقصاء أهم اصدارات هذه السنة "تصريح بالضياع"، لسبب نحب أن نعرفه، ولن تتحسن هذه الحظوظ بمشاركة سمير قسيمي بنصه الثاني "يوم رائع للموت"، رغم اعترافنا بأنه نص قوي، فقسيمي في هذه الرواية، وضع نصا سرديا "تجريبيا"، لا نعتقد أن لجنة تحكيم البوكر ستتفهم "مغامرته" الروائية، المتميزة بـ"المحلية" الصرفة، والمباشرة التي جعلت كاتبها في بعض الأحيان يخرج من حدود اللباقة الى "لااحتشام" قد يؤخد –حتما عليه-. كما أن حظوظنا لن تتحسن بمشاركة اسم بوزن اسم الوزير الشاعر "عز الدين ميهوبي"، الذي شارك بنص متوسط في العموم، لا يحمل أي تفرد كالعملين السابقين، فقد قدم نصا طويلا جدا، كان يمكن أن يكتبه في 150صفحة أو أقل، وسقط في "السهولة" التي عادة ما يسقط فيها أصحاب النصوص الطويلة، خاصة وأنه لم يعتمد على أسلوب المشاهد القصيرة(دان براون)، أو على الأقل على الحوارات الدلالية الملخصة للأحداث(حنامينة)،. والأخطر من كل ذلك محاكاته لأغاثا كريستي في الحدث المحوري للرواية(اجتماع في مكان مغلق لشخوص بغرض الاعتراف، لينتهي الأمر بتحقيق العدالة أو الانتقام)، وأكثر مآخذ رواية ميهوبي، أنه كتب في زمن لم يتمكن من التحكم فيه أو على الأقل توفير مناخه.
فمن من هؤلاء سيصمد أمام هزات البوكر: الزواوي بتلونه، عمار الطونبا بجرأته أم هوسمان برغبته في الانتقام؟.. بيني وبينكم أظنه..الزواوي.

محمد عاطف بريكي

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الساعة بتوقيت الجزائر تشير الى

 

Copyright 2008 All Rights Reserved | الجزائر للسياحة Designed by Bloggers Template | تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة