الأحد، 18 أبريل 2010

النخب وصناعة القرار في الغرب..الولايات المتحدة الأمريكية نموذجا..



بقلم : الطيب طهوري
استضاف منتدى المواطنة يوم 10أفريل 2010 في جلسته الثامنة الأستاذ الباحث فضيل بومالة للتحدث عن النخب وصناعة القرار في الغرب مستعرضا تجربة الولايات المتحدة الأمريكية كمثال حي عن تلك النخب في علاقتها بصناعة القرار ودورها فيه..
انطلقت الجلسة بكلمة عرف فيها رئيس المنتدى كمال قرور بالمحاضر مشيدا بدوره الفكري العميق والرائد ، حيث هو باحث في جامعة الجزائر يشتغل على موضوع النخب العسكرية والانتقال الديمقراطي..
بدأ المحاضر كلمته برأي سديد جاء فيه: لا أحب أن أكون وحيدا في تفكيري .إن عقولا متعددة تفكر أفضل من عقل يفكر وحده..أضاف: أريد أن أطرح جملة من الأفكار كي نفكر سويا فيما يمكن أن نبنيه معا..
ولأن النخب تحيل عادة إلى المثقفين تحدث عن الثقافة في الجزائر فقال إنها تشبه المقاومة في جنوب لبنان أو فلسطين حيث تصعب حركتها ( الثقافة ) بفعل الحصار المفروض عليها من كل الجهات ، وحيث الفضاءات الحرة منعدمة..
قال: ما أحوجنا إلى معرفة الغرب من الداخل دون أحكام مسبقة ، حتى نفهمه فهما صحيحا، ولا مفر لنا من ذلك لأنه(الغرب) فينا شئنا أم أبينا..
قال أيضا: إن للغرب جانبه الإنساني ..أضاف: الحضارة في جوهرها إنسانية ، ولا يمكن القول أبدا إنها إسلامية أو صينية أو غربية معاصرة.. إنها نتاج تراكم تجارب البشرية عبر كل العصور لا فرق في ذلك بين حضارة سماوية وحضارة بشرية. . كلتاهما تلتقيان في صناعة التاريخ بما يعنيه من صناعة للإنسان في حراكه الدائم مع الطبيعة والعقل لبناء الحضارة الإنسانية.. لأن هدف الحضارة الأساس هو الانتقال بالإنسان من مستوى الطبيعة إلى مستوى الثقافة..
انتقل بعد جملة هذه الأفكار التي رأى أنها تحتاج إلى التفكير فيها بجدية وبشكل جماعي إلى الحديث عن الموضوع الرئيس لمحاضرته .. قال: إن الحديث عن الغرب يفرض نقسه علينا، لأنه صار الأنموذج في كلياته ـ وبما فيه من صراعات واختلافات ـ للحضارة الإنسانية..
أضاف: لقد انتقل الإنسان من مرحلة الثنائية القاتلة ( الشرق الاشتراكي والغرب الرأسمالي) إلى مرحلة الابتعاد عن الدوغمائيات من أجل الوصول إلى المجتمع المفتوح الذي يجد الكثيرـ للأسف ـ من المقاومات التي تحاول الحد منه.. ومن هذا المنطلق قال: لا بد من إعادة تصور وتمثل الإنسان في التاريخ..
قال بعد ذلك إن تعدد النخب ضروري في مناحي الحياة الاجتماعية المختلفة : ثقافة وسياسة واقتصادا...إلخ..مبينا أن صناعة القرار في كل تلك المناحي هي في ال (و م أ ) نتاج تفكير جماعي نخبي يعمل على إيجاد الاستراتيجيات على المستوى المتوسط والبعيد ، وهي الاستراتيجيات نفسها التي توجد الخيارات المختلفة التي تقدم إلى صاحب اتخاذ القرار .. ومن هذا المنطلق تكون وظيفة السلطة هي التنفيذ في الأساس أما التفكير فهو من اختصاص النخب الحرة ،من خلال مراكز البحوث والجامعات التي تقدم الجديد من الأفكار والمشاريع التي تؤثر في توجهات المجتمع الأمريكي داخليا ، وحتى في توجهات المجتمع العالمي .. وكيف لا تؤثر وعددها يتجاوز ال 1500 خلية تفكير ومراكز بحث جامعية ؟، وهو ما يعني ان كل الجامعات الأمريكية التي يقدر عدها بحوالي ال 6000 جامعة يؤمها حوالي ال 18 مليون طالب ، 5 0 ملايين منهم أجانب من آسيا خاصة ،وبعدد مكتبات يتجاوز ال 5000 مكتبة جامعبة ، كل مكتبة منها تتوفر على فضاءات بحث ومراكز سينما وأماكن استرخاء تتيح للباحث الاستماع للموسيقى مثلا وتجديد قدراته النفسية والعقلية لمواصلة بحثه ، أكبرها مكتبة جامعة هارفارد التي تتوفر وحدها على 15 مليون كتاب ، وهي كلها جامعات تساهم في صناعة السياسة العامة ، حيث الدولة زبون دائم عندها يأخذ وجهات نظرها في كل القضايا..ضف إلى ذلك أن تلك المراكز البحثية يطبعها التخصص الصارم في كل شيء ، حيث لا مجال للصدفة أو الاتكالية أبدا ،مستدلا على ذلك بوجود حتى من هو متخصص في الاتحاد العام للعمال الجزائريين ، مبينا أن سياسة أمريكا يطبعها الاستقطاب المتواصل للذكاء العالمي مستدلا على ذلك أيضا بوجود من هم مختصون في البحث عنها في المغرب العربي مثلا ..
وإلى جانب كل ذلك نجد السلطة في أمريكا تشرك وبإصرار المجتمع المدني الذي يقدر تعداده بحوالي ال 06 ملاين منظمة غير حكومية ، كلها تشتغل لبناء المجتمع الأمريكي بما يجعله مجتمعا مسؤولا يفرض على السياسيين تأدية واجباتهم على أكمل وجه وذلك من خلال تهديدهم بالبديل الديمقراطي الانتخابي.. كما نجد أيضا آلاف التنظيمات التي تعمل على حل ما يقع من نزاعات سواء بين الأفراد أو الجماعات، خلافا لما نحن عليه حيث ننتج بؤر التوتر لكننا لا نوجد آليات حلها...
أكد بومالة أثناء محاضرته على أن الإسلام قد صار ينظر إليه في الغرب على أنه منظومة لا تنتج إلا العنف..متسائلا بكيفية غير مباشرة : ماذا يجب علينا فعله للنغيير من تلك النظرة ؟.. ما هي الوظيفة الحضارية التي يمكننا من خلالها الإضافة للبشرية ما يفيدها ويجعلنا من ثم مساهمين في بناء حضارتها بدل ما نحن عليه الآن حيث مساهمتنا ضعيفة جدا؟.. ماذايجب أن نفعل حتى نصير مثل الهنود والصينيين الذين أصبحوا مؤثرين فعلا فيها( الحضارة المعاصرة)؟..
مجيبا على تلك التساؤلات وغيرها بالقول : يجب علينا أن نثور مفاهيمنا عن الدين .علينا ان نكوِّن منظومات مؤسساتية تكون وظيفتها الأساسية إحداث التغيير..
علينا أن نستفيد من عظمة أمريكا حتى نخرج من ورطاتنا التاريخية ..علينا أن نزيد من عدد الجامعات ، وننشئ الكثير من مراكز البحوث ونفعِّلها ..علينا ان نسمح بنشوء المجتمع المدني الحقيقي ونفسح له مجال المشاركة الفاعلة في الاختيار الديمقراطي للمسؤولين في مختلف مستويات التسيير ومراقبتهم ومحاسبتهم .. إلخ.. علينا أن نحل نهائيا مسألة السلطة وعلاقتها بالنخبة ، حيث يستحيل بناء دولة دون ذلك..وهي للأسف الشديد أمور مفتقدة بشكل يكاد يكون كليا في جزائراليوم التي صارت متخلفة بأشواط كبيرة عن دول كانت في نفس مستواها الاقتصادي في الستينات والسبعينات مثل كوريا الجنوبية وإسبانيا..وعلق ضاحكا: لقد صار المسلمون يمتلكون قدرة (عجيبة ) على التكيف مع كل ما هو سيئ..
في النقاش الذي فتح بعد نهاية المحاضرة طرحت الكثير من الأسئلة العميقة الجادة والمسؤولة والحرة أيضا..مثل: لماذا لا توجد عندنا نخب فاعلة بالكيفية التي هي عليها في أمريكا والغرب عموما؟..ما الظروف السياسية والثقافية والاجتماعية والأخلاقية التي أتاحت لأمريكا والغرب عموما تحقيق ماهم عليه الان؟..ما دور العلمانية في ذلك ؟.. هل الديمقراطية إجراءات شكلية بحته كما جاء في المحاضرة أم هي منتوج مناخ ثقافي وعقلي واجتماعي حداثي عام عرفه الغرب ، ومن ثمة لايمكن تبيئتها محليا إلا بالنضال من أجل الترسيخ للحداثة في مجتمعاتنا..؟..
ما علاقة العلمانية بالديمقراطية؟.. هل يمكن تصور وجود ديمقراطية دون علمانية؟ .. ما المعيقات التي منعت مجتمعاتنا العربية وتمنعها من تحقيق قفزة التغيير المنشود لتحقيق ما تحقق في الغرب ؟..ما دور الدين والاستبداد الفكري والثقافي الذي يمارس من قبل الناطقين باسمه المحتكرين له في ذلك؟.. ما دور الاستبداد السياسي الذي تمارسه الأنظمة الحاكمة في بلدانا العربية؟..هل يمكن تحقيق القفزة المطلوبة دون علمانية ...؟..
أجاب المحاضرعن كل الأسئلة دون تمييز وبتوسع ..ما لفت انتباهي حقا في إجاباته قوله أن العلمانية ضرورية لمحتمعات التعدد الطائفي مثلا ، وهو ما أوحى لي بأنها ليست ضرورية لمجتمعاتنا التي لا طوائف فيها..؟
ولم يكن متاحا لي لأسأل : هل يعني ذلك إمكانية يناء الدولة في مجتمعنا على أسس دينية بما يجعلها دولة دينية مثلا؟.. وأي دولة دينية يا ترى: أهي دولة الفيس أم دولة حماس أم دولة..؟. وهل نعتبر تلك الدولة دولة دينية أم هي دولة إيديولوجية تغطي مشروعها البشري بغطاء الدين الذي يبنى على ادعاء امتلاكه الحقيقة المطلقة؟.. ما مصير الذين يعارضون مشروع تلك الدولة الذي هو مشروع ـ كما قلت ـ يدعي أنه يطبق الدين؟
عرض: الطيب طهوري

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الساعة بتوقيت الجزائر تشير الى

 

Copyright 2008 All Rights Reserved | الجزائر للسياحة Designed by Bloggers Template | تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة