الاثنين، 29 مارس 2010

وصية ماركيز الأخيرة دمية الأقمشة‏


ثم ماذا لو شاء الرب أن ينسى للحظة، أنني دمية من أقمشة، وأن يهبني حفنة حياة أخرى؟ سوف أستغلها بكل قواي. ربما لن أقول كل ما أفكر فيه، لكنني حتما سأفكر في كل ما سأقوله. سأمنح الأشياء قيمتها، لا لما تمثله، بل لما تعنيه.
سأغفو قليلا، وأحلم بلا حدود، مدركا أن كل إغفاءة هي خسارة لستين ثانية من النور. وسوف أسير فيما يتوقف الآخرون، وسأصحو فيما الكلّ نيام.
لو شاء الرب أن يهبني حفنة حياة أخرى، سأرتدي ملابس بسيطة، وأستلقي على وجه الأرض عاريا ليس من جسدي فقط، ولكن من روحي أيضا. لو أن لي قليلاً من الوقت، لكتبتني على الجليد، وانتظرت شروق الشمس بانتشاء. كنت سأرسم على النجوم قصيدة بنيدتي وأحلام فان كوخ. كنت سأنشد أغنية من أغاني سرات، أهديها للقمر، ولرويت الزهر بدمعي كي أشعر بألم أشواكه وبقبلات أوراقه القرمزية. لو قدّر لي أن أعيش وقتا أطول، لن أترك يوماً واحدا يمر دون أن أقول للناس كم أحبّكم. أحبكم جميعاً. ولأقنعت الجميع، رجالا ونساء، أن لا شيء أثمن من الحب. وسأبرهن لهم جميعا كم هم مخطئون حينما يعتقدون أنهم لن يكونوا عشاقاً متى شاخوا؟ لا يدرون أنهم يشيخون بفعل غياب العشق. سأمنح الطفل أجنحة ليطير، لكنني سأدعه يتعلّم التحليق وحده وسأقنع الكهول بأن الموت لا يأتي بسبب السنّ، بل بفعل النسيان.
كم من الأشياء تعلمتها منك أيها الإنسان. تعلمت أن الجميع يريدون العيش في القمة غير مدركين أن سرّ السعادة الحقيقية هي في كيفية معاناة الصعود. وتعلّمت أن المولود الجديد حين يشد على أصبع أبيه للمرّة الأولى، يعني أنه أمسك بها إلى الأبد. تعلّمت أن على الإنسان أن لا ينظر لأخيه من فوق، إلا لكي يساعده على النهوض والقيام. بل تعلمت منك أكثر! لكن، ذلك لن يفيدني كثيرا، فقد أصبحت على حافة الهاوية.
قل دائماً كل ما تشعر به وافعل ما تفكّر فيه.
لو كنت أعرف أنها المرة الأخيرة التي أراك فيها نائمة، كنت أخذتك بين ذراعيّ وصليت لكي يجعلني الله حارسا لروحك. لو كنت أعرف أنها دقائقي الأخيرة معك لقلت ''أحبك'' ولتجاهلت، بخجل، أنك تعرفين ذلك.
هناك بالطبع يوم آخر، والحياة تمنحنا فرصا أخرى لاستدراك تقصيرنا. لكن لو أنني مخطئ وهذا هو يومي الأخير، أحب أن أقول لك ''كم أحبك'' وكم أنني لن أنساك، لا أحد يضمن الغد، شابا كان أم كهلا. ربما هذا آخر يوم نرى فيه من نحب. فلنتصرّف كذلك، لئلا نندم لأننا لم نبذل الجهد الكافي لنبتسم، لنحنّ، لنطبع قبلة، أو لأننا مشغولون عن قول كلمة فيها بعض الأمل.
كونوا قريبين ممن يحبونكم وتحبّونهم. قولوا لهم همسا أنكم في حاجة إليهم. أحبوهم واهتموا بهم، وخذوا الوقت الكافي كي تقولوا: نفهمكم، سامحونا، من فضلكم، شكراً، وكل كلمات الحب التي تعرفونها. لن يوحي عما تفكرون فيه سرا. اطلبوا من الربّ القوة والحكمة للتعبير عنها وبرهنوا لأصدقائكم وأحبائكم محبتكم لهم.
غابرييل غارسيا ماركيز.

غابرييل غارسيا ماركيز، الكاتب الكولومبي العظيم، يعاني من سرطان لمفوي خطير في المرحلة النهائية. هذه الرسالة بعث بها للكثير من الأصدقاء منذ سنوات. تلقيتها بالإسبانية ونشرتها في وقتها في ملحق جريدة الوطن الثقافي، باللغة الفرنسية. وهي تذكير بقوة الحياة التي ينساها أصحاب الضغائن. مثلما ظل ماركيز محبا. انسحب وحيدا ليعيش عزلة النهايات، عاشقا كبيرا للحياة إلى آخر نبض في قلبه الحي دوما. لنا عودة.


المصدر :واسيني الأعرج
- 13 - 06 - 2009
ملاحظة :
غابريل غارسيا ماركيز الكاتب الكولومبي العظيم يعاني من سرطان لمفوي خطير في المرحلة تالاخيرة , هذه الرسالة بعث بها للكثير من الاصدقاء منذ سنوات ,تلقيتها (واسيني الاعرج ) بالاسبانية و نشرتها في وقتها جريدة الوطن الثقافي ,باللغة الفرنسية ,و هي تذكير بقوة الحياة التي ينساها اصحاب الضغائن ,مثلما ظلّ ماركيز محبا ,انسحب وحيدا ليعيش عزلة النهايات, عاشقا كبيرا للحياة الى آخر نبض في قلبه الحي دوما ,

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الساعة بتوقيت الجزائر تشير الى

 

Copyright 2008 All Rights Reserved | الجزائر للسياحة Designed by Bloggers Template | تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة